الجاما نايف: أين نحن اليوم؟

ا.د خالد عبد الكريم - إستاذ الأورام وإستشاري الجراحة الإشعاعية

على مر السنين أصبحت الجاما نايف هي طريقة العلاج الأوسع إنتشاراً في علاج أورام المخ عالميا حيث أنه منذ عام ١٩٦٨ و حتى الآن تم علاج حوالي ٧٠٠،٠٠٠ مريضا حول العالم بواسطة الجاما نايف. و قد ساعد التطور التقني الكبير في الجهاز على إنتشاره وزيادة فعاليته و هو ما أكسب الأطباء والمرضى على حٍد سواء الثقة  فيه كوسيلة علاج آمنة وفعالة في نفس الوقت.

وبعد أن كان تخطيط العلاج يستغرق ساعات طويلة أصبح يستغرق دقائق معدودة و بعد  أن كان يعالج أنواع محدودة من الأورام التى تصيب المخ أصبح يستخدم في علاج العديد منها. كما ساهم هذا التطور التقني في الجهاز في تحسين قدرته على علاج أورام أكثر تعقيداً كان من الصعب علاجها في الماضي بواسطة الجاما نايف.

طريقة عمل الجاما نايف

في حالات أورام المخ يعمل إشعاع الجاما نايف فائق الدقة على وقف تكاثر الخلايا الورمية التي تضمر و تموت فيتحول الورم إلى نسيج ميت غير قادر على النمو. كما أن الإشعاع يعمل على غلق الشرايين المغذية للورم مما يسهم في القضاء عليه.

في حالات التمددات الشريانية الوريدية تكمن المشكلة في ضعف جدران هذه الشرايين مما يجعلها عرضة للإنفجار والنزيف داخل المخ. و يعمل إشعاع الجاما نايف عن طريق إغلاق هذه الشرايين المعيبة دون التأثير على الشرايين و الأوردة الطبيعية و أنسجة المخ المحيطة.

أما في حالات إلتهاب العصب الخامس و ما ينتج عنه من آلام مبرحة بالوجه تحول حياة المريض إلى جحيم ولا تحقق تحسنا حقيقيا بالعلاجات الدوائية فإن إشعاع الجاما نايف يعمل على تدمير الألياف العصبية المسؤولة عن الألم و لأن هذا العصب في الأساس عصب حسي وليس حركي  فإن العلاج لا يؤثر على حركة الوجه.

بماذا تتميز الجاما نايف عن طرق العلاج الأخرى؟

إن الجاما نايف تتيح الأمل لمريض أورام المخ بزيادة البدائل المتاحة أمامه والتي منها الخيار الجراحي تتبعه الجاما نايف كعلاج مكمل أو كعلاج مستقل بذاته (بدون جراحة). وتعمل الجاما نايف كعلاج مكمل في الحالات التي يصعب فيها الإستئصال الجراحي الكامل للأورام كتلك الموجودة في قاع الجمجمة أو عندما تبرز الحاجة لتخفيف الضغط عن الأعصاب أو المخ بإستئصال جزء من الورم و هنا يأتي دور الجاما نايف كإشعاع متناهي الدقة يستطيع تدمير الورم المتبقي بعد الجراحة بدون التأثير على الأعصاب أوشرايين و أوردة المخ المجاورة للورم. كما قد تستخدم الجاما نايف كعلاج مستقل بذاته (بدون جراحة) في بعض الحالات والتي أظهرت أحدث الدراسات أن في هذه الحالات تكون الجاما نايف بنفس كفاءة الجراحة في السيطرة على الأورام و بدرجة أمان عالية.

أما عن دور الجاما نايف في علاج التشوهات الشريانية الوريدية فقد أصبحت الوسيلة الأولى لعلاج هذه الحالات مقارنةً بالجراحة حيث أظهرت الدراسات أن نتائج الجاما نايف هي الأفضل و الأكثر أماناً.

ما هي الأعراض التي تستدعي إستشارة طبيب المخ و الأعصاب؟

إن الصداع هو من أكثر الأعراض شيوعاً من بين أعراض أورام المخ فهو يحدث في حوالي ٥٠٪ من الحالات و لكن هناك أيضاً أسباب أخرى بجانب أورام المخ تسبب الصداع.

تعتبر النوبات الصرعية من أكثر الأعراض المنذرة بوجود خلل بالمخ. كما يصاحبها في بعض الأحيان ضعف بالأطراف (عادةً الذراع و الساق على ناحية واحدة).

أما أورام قاع الجمجمة فتشمل الأورام المجاورة لجذع المخ وأعراضها تتضمن عدم إتزان أثناء المشي و الإحساس بالدوار. هذا إلى جانب تأثر الأعصاب الدماغية التي تخرج من جذع المخ. و قد يتسبب هذا في ضعف بالسمع مع عدم إتزان و طنين بالأذن مثل حالات أورام العصب الثامن و من الممكن أن يحدث إعوجاج بالفم مع عدم القدرة على إغلاق العين كلياً في حالة تأثر العصب السابع هذا إلى جانب عدم القدرة على البلع و إرتجاع السوائل من الأنف أثناء الشرب في حالة تأثر الأعصاب الدماغية السفلية.

إن ضعف حدة الإبصار تستدعي الإنتباه و بالأخص عندما يصاحبها تأثر في المجال البصري حيث لا يستطيع المريض رؤية الأشياء التي هي في أطراف مجال الرؤية. و يحدث هذا مع أورام قاع الجمجمة القريبة من العصب البصري مثل الأورام السحائية و أورام الغدة النخامية. و هنا يجب أن نذكر أن إنقطاع الدورة الشهرية من الممكن أيضاً أن يحدث بسبب وجود أورام بالغدة النخامية.وقد يكون عمل رنين مغناطيسي على المخ بعد الرجوع للطبيب المختص هو السبيل للإكتشاف المبكر لهذه الأورام وهو ما يؤثر بشكل إيجابي كبير في نتيجة العلاج بعد ذلك.

يبقى أن نشير أنه وفقاً لأحدث الإحصائيات يتم علاج حوالي ٦٥،٠٠٠ مريض سنوياً حول العالم بواسطة الجاما نايف. كما أن الولايات المتحدة الأمريكية وحدها بها أكثر من ١٠٠ مركز للعلاج بواسطة الجاما نايف و اليابان بها حوالي ٥٠ مركزاً و هو مما يدل على إنتشار هذه الوسيلة العلاجية في أكثر الدول تطوراً في جراحات المخ والأعصاب.